رئيس الهيئة التنفيذية
الشيخ جلال الدين سليل عائلة علمية عريقة فوالده هو آية الله الشيخ علي ابن آية الله الشيخ حسين نجل المقدس آية الله الشيخ علي الصغير نجل العالم الورع والفقيه الزاهد الشيخ حسين بن عالم عصره شبير نجل آية الله الشيخ ذياب الجويبراوي الخاقاني، وهو كما في لقبه ينتمي لعشيرة آل جويبر أحد أفخاذ بني خاقان القبيلة القحطانية اليمانية والممتدة في أصولها إلى خاقان بن حمير، رغم إن بعض المؤرخين يذهب إلى إنهم من مضر لعودتهم إلى بني مالك ولكن أبناء العشيرة يجمعون على عودتهم لحمير.
وهو من جهة والدته ينتمي إلى عشائر البهادل أحد بطون خفاجة، وأمه بنت الشيخ فرج البهادلي وخاله هو الخطيب الشهيد الشيخ أحمد فرج البهادلي الذي كان من أوائل ضحايا البعثيين ومن ضحايا قصر النهاية وقد استشهد في العام 1971 بعد عدة أمراض أبتلي بها بعد خروجه من السجن مباشرة.
ولد في النجف الأشرف ظهيرة يوم 20 صفر عام 1377 الموافق في أيلول 1957 في محلة العمارة، وسمي بهذا الاسم نتيجة لقدوم أحد أصدقاء والده من العلماء من خارج العراق وهو الشيخ جلال الدين فسمي بذلك، وهو الثامن من أولاد الشيخ علي الصغير (رضوان الله عليه) التسعة وهم من أمّين، بعد إخوته الشيخ الدكتور محمد حسين والمرحوم محمد حسن (مات بطريقة مريبة على طريقة عشرات الاغتيال التي رتبها البعثيون عام 1993) والحاج منعم والأستاذ محمد رضا والأستاذ علاء الدين، وأشقائه الحاج محمد والشهيد عبد الرزاق وأخيه الأصغر الحاج جمال الدين.
انتدب والده آية الله الشيخ على الصغير من قبل الإمام الراحل آية الله العظمى السيد محسن الحكيم ليعمل وكيلاً له في بغداد بعد أن طلب أهالي العطيفية من المرجع الراحل ان يرسل عالماً ليهتم بشؤون جامع براثا (مقام أمير المؤمنين عليه السلام) في العطيفية ببغداد بعد أن بدأوا بإعماره، وبالفعل تطوع والده للعمل هناك وهاجر من النجف واستوطن في المنطقة في أواخر 1959 أو بداية 1960، وقد افتتح الجامع ببنائه الحديث عام 1963 من قبل الإمام الراحل السيد محسن الحكيم (قدس سره الشريف) ضمن احتفال مهيب وكان من أبرز الشعراء الذين شاركوا بالاحتفال المرحوم الشيخ عبد المنعم الفرطوسي الذي ألقى قصيدة رائعة ومن بينها بيته الشعري الشهير:
.متى الأمن يسود البلاد وفهد يطاع وعفلق يترنم
وكذا قصيدة الأخ الأكبر الشيخ محمد حسين الصغير التي يخاطب بمطلعها الإمام الراحل الحكيم (قده)
سر في جهادك ما برحت موفقاً سيفان في يدك العقيدة والتقى
إلى أن يقول له:
بالأمس قد أدبت قاسم أمتي واليوم ادعى أن تؤدب عفلقا
ترعرع في مدارس المنطقة وأكمل الابتدائية في مدارس الجزائر والمقاصد، ثم انتقل إلى متوسطة فتح ثم ثانوية العطيفية والشعب لاحقا.
ونتيجة لترعرعه في عائلة علمية عرفت بالعمل الاجتماعي والسياسي الواسع إذ كان منزل والده يعج بالضيوف من كل مناطق العراق الذين كانوا يأتون وهم ينقلون صور المعاناة وحاجات الناس ومظلوميتهم، ولشدة ارتباطه وقربه وتمثله بطريق والده، نمى عنده حس الهم الاجتماعي المبكر، وفي ذاكرته الكثير من قصص الحرس القومي وانقلابي 1963، إذ إن قرب منطقتهم من وزارة الدفاع جعلها مورد اهتمام الانقلابيين، ويقول: إن حس العمل السياسي نشأ مبكراً جداً بحيث إننا في يوم 17 تموز 1968 (أي بعمر 11 عاما) كنا قد عقدنا اجتماعا مع بعض أصدقاء الطفولة وتداولنا ما يجري في البلد، وقد قررنا يومها أن نراقب البعثيين في منطقتنا ونحصي المسلحين منهم، وفي يوم 30 تموز كنا قد عاودنا الاجتماع وكان لدينا قائمة بأسماء من حمل السلاح في مناطق العطيفية الأولى والثانية والشالجية، ويستدرك ويقول: إن الاجتماع قطعا كان بعقلية الصبيان (رغم إن صبيان تلك المرحلة ليسوا كصبيان المرحلة الحالية) ولكن كان هذا مؤشراً مهماً، حتى أني في اعتقالي الأول (عام 1976) حوسبت عليه!! باعتبار إن أحد الحاضرين في الاجتماع يومها (واسمه أنور الخالدي) قد تحول إلى بعثي نشط وهو كان المسؤول عن كتابة التقارير علينا في المنطقة وقد كتب لهم عن ذلك.
بدأ بدراسة مقدمات العلوم الحوزوية على يد والده في بيتهم منذ عمر ال12 عاما، وبدأ والده يعدّه ليرسله بشكل مبكر إلى النجف للتفرغ لطلب العلم، وبالفعل كان قد تكلّم والده مع آية الله الشيخ حسن الجواهري وطلب منه أن يهتم بتنظيم دروسه والاهتمام به، ولكن وفاة والده المقدس الشيخ علي الصغير (رض) عام 1975 اضطرته للعمل لكي يساهم في إعالة العائلة وانتقلت دراسته من النهار إلى الليل في إعدادية الشعب بالكاظمية، ولكن كان مع دراسته مهتماً بشكل كبير بالدراسات الفكرية المرتبطة بالصراع السياسي والايديولوجي في عصره، فشكل نقطة افتراق مع تراث العائلة التي عرفت بثرائها الأدبي على وجه الخصوص، وانتقل إلى النجف الأشرف بشكل نهائي في أواخر عام 1977 بعد أن اعتقل في للمرة الثانية في انتفاضة صفر عام 1397 أثناء إيابه من مقر عمله في الناصرية آنذاك وكان يعمل مع شركة مساعد الصالح الكويتية التي كانت تنفذ المقاولات المدنية لمشروع (محطة كهرباء الناصرية الحرارية)، وكان سبب تعجيل ذهابه إلى النجف الأشرف هو إبلاغ مديرية الأمن العامة له (عبر أخيه الحاج جمال الدين الصغير (أبو ضياء)) بعدم السماح له بالخروج من بغداد، فما كان منه إلا أن يكسر الطوق ويرحل ومن ثم ليلبس لباس العلم على يد الشهيد العظيم آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر (قدس سره)، واستقر في مدرسة الأزري في منطقة خان المخضر بمعية ثلة من رفاق الدرب كان من أبرزهم سماحة السيد كمال الحيدري والشيخ صادق الناصري والشيخ عبد البديري.
وبشكل مبكر من ذهابه للنجف الأشرف تم تكليفه من قبل الشهيد الصدر (رض) بالرجوع لبغداد والقيام بالعمل الديني في جامع براثا ولكن بعد استئذان الإمام الخوئي (رضوان الله عليه)، يقول: وبالفعل استأذنت الإمام الخوئي (رض) الذي كان يجلّ الوالد (رض) كثيراً إذ كان وكيله العام في بغداد، ووافق (رضوان الله تعالى عليه)، ولهذا خصص أيام الأربعاء والخميس والجمعة لجامع براثا، وكان يغادر النجف بعد إتمام دروسه ظهيرة يوم الأربعاء، وهذا النظام أملى عليه أن يكثف من دراسته الحوزوية في الأيام المتبقية.
كان المرجع الشهيد الصدر (رضوان الله عليه) قد كلّف آية الله الشيخ محمد هادي آل راضي، للإهتمام بدروسه يقول سماحة الشيخ: بأن أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت الشهيد الصدر يطلب ذلك هو طبيعة العلاقة بين براني العائلتين (آل راضي وآل الصغير) والذي كان الشهيد الصدر يعتقد إننا والأستاذ آل راضي نتمكن من النشاط في البرانيين معا، ولكن هذا لم يحصل يقول الشيخ: كنت قبل أن أذهب إلى الشهيد الصدر قد اتفقت مع الشيخ الشهيد حسين باقر حمودي (الأخ الأكبر للشيخ همام حمودي) على نظام الدرس، ولم انتبه لمراد الشهيد الصدر، ولكن بعد مدة ذهبت لأعتذر من الشهيد الصدر فضحك الشهيد الصدر (رضوان الله عليه) وبوقاره المعتاد وقال: أنا تعمدت أن تكون قريباً من الشيخ آل راضي لخصوصية العلاقة بين أسرتيكما ولطبيعة البراني الفاعل لدى الاسرتين كنت آمل أن تنشطان هناك، وقد أقرّ الشيخ آل راضي ما كان الشيخ حمودي قد رتبه معي، ولكن للأسف كان الزمن أسرع منا ولهذا كان اعتقالي الثالث (أواخر عام1978) هو الذي حرمني من رؤية الشهيد الصدر (رضوان الله تعالى عليه) بعد ذلك والاستفادة من أساتذتي.
ونتيجة لاهتماماته السياسية كان دخول سماحة الشيخ في أروقة التحرك التنظيمي الإسلامي مبكراً، وفيما كانت الأنظار متجهة لحزب الدعوة اختار هو التنظيمات الأكثر حركية وثورية من حزب الدعوة الذي كان آنذاك يعمل بنظرية الإخوان المسلمين في التغيير وهي نظرية ما كانت لتنسجم مع الواقع السياسي العراقي والتي بسببها كان التنظيم مكشوفا تماما لأجهزة الأمن العراقي، ولهذا عمل مع أحد تنظيمات العقائديين منذ عام 1973 وهو تنظيم الطلائع الإسلامية الشعبية العاملة وقد كان مسؤوله لفترة الشهيد المبرور السيد نجاح الموسوي، وكان التنظيم قد انتشر في مناطق عديدة في بغداد وكربلاء والدجيل والنجف والحلة والبصرة بعد قرار حزب الدعوة بتجميد العمل بعد إعدام الشهداء الخمسة، وقد انشأ الشيخ عدة حلقات تنظيمية مستقلة بعد المضايقات الشديدة التي أصيب بها العمل إلى أن تم طرح فكرة العمل الإسلامي الصِدامي وهي فكرة كانت تعمد لافتعال المشاكسة مع أجهزة الأمن حتى لو أدى ذلك إلى الأذى أثناء حملة هذه الأخيرة على الإسلاميين إذ إن الأمة يجب أن ينتشر فيها الوعي بطبيعة ما يرتكب بحق الإسلاميين، ثم انتقل الأمر بتسمية هذه التنظيمات بحركة الوعي الثوري الإسلامي بعد أن اشتعل الوعي نتيجة تداعيات الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وبالرغم من اعتقاله لثلاثة مرات وتعرضه لموجات كبيرة من التعذيب إلا إنه لم يستسلم أبداً ولم يعط للبعثيين أي شيء عن التحرك الذي كانوا يجهلونه تماماً لأنهم كانوا يتصورون أنه كان في حزب الدعوة!!
وقد كان خروجه من معتقله الأخير في الخامس من رجب عام 1397 حيث أمضى قرابة 6 أشهر (اعتقل في يوم العاشر من محرم في كربلاء) باعثاً لتقوية العمل لأنه أيقن بأن حزب البعث لم يكن يعرف أي شيء عما كان يفعله وإخوانه في التنظيم وشرع فوراً بتنظيم الخلايا وإعادة ربط التنظيمات التي كان مسؤولاً عنها وكان أخاه الشهيد عبد الرزاق عضده الأيمن في ذلك، وكانت المسؤولية كبيرة عليه حينما بدأ النظام حملته الشعواء ضد الإسلاميين بعد أحداث السابع عشر من رجب في نفس العام، وقد تم اعتقال غالبية الكوادر الإسلامية في كل المحافظات، وكان نصيب التنظيم أن تم اعتقال الشهيد السيد نجاح وأخوه الشهيد السيد صباح الموسوي مما جعل كاهل المسؤولية عظيما عليه، وكان قد بدأ وبمشاركة بعض المؤمنين بتنظيم عملية تهريب أسلحة من معسكر أبو غريب والتاجي منذ عام 1975 وبهدوء عبر الشهيدين السيد يحيى الحسيني (من أهل كربلاء) وكان آمراً لمخازن أبو غريب الكيمياوية والشهيد خالد (من أهل القاسم) وكان مناوباً على مخازن التاجي، فيما كان مهتماً بكتابة كل الأوراق التنظيمية والنشرات الداخلية وكان يكتب نشرة الوعي الثوري (36 صفحة) من القطع الكبير كلها ولعدة أعداد، ولكن سطوة القمع كانت شديدة وبدأت الاعترافات عليه في سجون الشعبة الخامسة الذين أذهلوا وهم يجدون أن هذا الرجل الذي اعتقل لديهم 3 مرات كان هو المتسبب لكثير من آلامهم، ولهذا بدأت الملاحقة له، واستطاع أن يفلت أكثر من مرة ورغم نصيحة أصدقائه بان يخرج من العراق، وتهيؤ الفرصة لذلك إلا إنه رفض ذلك قبل أن يعطيه الشهيد الصدر الإذن بذلك، واختبأ مع السيد ياسين الموسوي (كان النظام يبحث عن السيد ياسين الموسوي وتم اعتقاله ولكن لأن هويته كانت تقرأ ياسين الشماع لذلك لم يعرفوه ولهذا تم إطلاق سراحه بعد اسبوعين!!) في بيت الأخير في منطقة البراق بالنجف، إلى أن أخبره الشهيد الشيخ حسين باقر بإذن الشهيد الصدر له بالخروج وتوصيته له بأن يعمل على فضح النظام في الخارج، وعن ذلك يقول سماحة الشيخ: كنت قد طلبت من الشيخ حسين باقر أن يبلغ الشهيد الصدر بوضعي، ويستأذنه بهجرتي من العراق وإصراري على عدم ذلك إن لم يأذن الشهيد الصدر، وكانت الواسطة تجري عبر بيت شهيد المحراب آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم (رضوان الله عليه) باعتبار أن الشيخ حسين باقر هو صهر السيد الحكيم (قدس سره)، وبعد يومين أو ثلاثة قابلت الشيخ حسين باقر في مدرسة اليزدي الصغرى في سوق العمارة، وسلمني مبلغ 70 ديناراً من الشهيد الصدر وطلب مني الخروج وكلفني بمهمة العمل ضد النظام وفضحه في الخارج ونصحني بالذهاب إلى لبنان والتنسيق مع الشيخ شمس الدين، وبالفعل خرجت بعد ذلك بيومين وأنا أحمل جواز سفر باسم (ميثم جواد جابر) كان رفيق السجن الشهيد فرات كاظم جابر جدي قد أخرجه لي في يوم 2391979.
كان قد تم اعتقاله 3 مرات غير استدعاءات التحقيق، وكان المخطط أن يتم اعتقاله في عام 1975 مع مجموعة من مؤمني جامع براثا منهم الشهيد سمير جواد والشهيد طارق زلزلة في نفس القضية التي اعتقل فيها الشيخ همام حمودي، ولكن وفاة والده (رضوان الله عليه) جعل النظام المجرم يؤخر اعتقاله إلى 2641976 واستمر اعتقاله لمدة 76 يوما تنقلت تحقيقاته بين الشعبة الخامسة في أمن بغداد إلى الشعبة الثانية في مديرية الأمن العامة، وكان الضابط المسؤول عن التحقيق معه في الشعبة الخامسة المسؤولة عن النشاطات الإسلامية هو المجرم سعدون الملقب بالذيب والمجرم نوري الفلوجي الذي كان يختفي وراء لوحة كتب عليها اسم فيصل هلال، فيما كان المسؤول المباشر عن تعذيبه هو المجرم بدر الدليمي وقد استمرت فترة التعذيب مدة 56 يوما، فيما كان المجرم مصعب التكريتي هو المسؤول عن التعذيب في الشعبة الثانية وهذه الشعبة مسؤولة عن المؤامرات عبر التحالفات الوطنية!! والتعذيب فيها كان أشد بكثير من التعذيب في الشعبة الخامسة كما يصف سماحته، وكان جلّ الأسئلة بعد الأسئلة التقليدية يدور حول العلاقة مع الشهيد الكبير السيد محمد مهدي الحكيم (رضوان الله عليه)، وعن المرحوم السيد داود العطار والشهداء سلمان التميمي وعبد الحسين جيته (أعدما في عام1969 في شبكة ما عرف عنه بالمحاولة الانقلابية لعبد الغني الراوي) وعن الكاتبين زهير الأعرجي وطه جابر العلواني (وكنت لا أعرفهما كما يقول سماحته، ولأنه لم يعط الأجهزة البعثية أي شيء يستفيدوه تم إحالته لمحكمة الثورة!! بتهمة تربية الأطفال تربية رجعية!! وكانت المحكمة في الكرادة ويرأسها آنذاك جار الله العلاف وحكم بالسجن لمدة سنة أو دفع غرامة 100 دينار، وقد دفع المبلغ وتم الإفراج عنه.
فيما تم اعتقاله للمرة الثانية ضمن اعتقالات انتفاضة الأربعين عام 1977 مع مجموعة سميت برموز الشغب الطائفي في بغداد وكان من بين المعتقلين الشهداء الشيخ عبد الجبار البصري والمجاهد الشهيد مفكر مهدي (وهو أحد قيادات التنظيم مع الشيخ) والمرحوم السيد محمد حسين الحيدري، وذلك في يوم 22 صفر 1397 وتم اقتيادهم إلى الشعبة الخامسة في أمن بغداد أولا، قبل نقلهم إلى سجن رقم واحد في معسكر الرشيد حيث كانت اللجنة التحقيقية الخاصة قد تمركزت هناك: يقول: دخلنا إلى سجن رقم واحد وهناك رأينا الفاجعة المئات من الشباب النجفي كان قد تم اعتقالهم نتيجة انتفاضتهم على طريق النجف ـ كربلاء وكان يجري تعذيبهم بشكل جماعي، وقد اقتيد سماحة الشيخ مع من كان معه إلى اللجنة التحقيقية في اليوم الثالث حيث تم تقييد أياديهم بعمامة السيد محمد حسين الحيدري على شكل سلسلة مشدودة ببعضها، ولكن لم يعذب أحد من الذين كانوا معه إلا هو، ولم يتركوه إلا حين قارب على الإغماء نتيجة لشدة التعذيب، ولأنه من الواضح إن أحداً منهم لم يك مشتركاً في الانتفاضة لذلك تم إطلاق سراحهم بعد 3 أيام.
أما اعتقاله الثالث وهو الأطول فلقد كان في يوم 10 محرم 1399 (في بداية الشهر الثاني عشر) وقد جرى اعتقاله إبان عزاء طويريج ومن قبل اثنين من أخوة المجرم عبد اللطيف الدارمي احدهم اسمه ضياء وأمام باب الإمام الحسين ع أثناء الاتجاه إلى المخيم، وبقي في مديرية امن كربلاء لمدة شهر غالبيتها كانت في الانفرادي وكان التعذيب فيها يوميا ما عدا اليومين الأخيرين، وكان المسؤول عن تعذيبه آنذاك المجرمين رفعت التكريتي وشاكر السماوي قبل أن يتم تحويله إلى مديرية أمن بغداد، إذ تبين ان أمراً بالاعتقال كان قد صدر بحقه في بغداد في نفس يوم اعتقاله في كربلاء، حيث تم التحقيق معه مباشرة من قبل الجلاد المعروف فاضل الزركاني المعروف بشدة وحشيته وقسوته واستمر تعذيبه لمدة 45 يوما قبل أن يتم تحويله إلى الأمن العامة، وبقي فيها فترة وكان معه من أهل السنة الشيخ عبد الملك السعدي (مفتي العراق الحالي) وإخوته ولفترة الشاعر وليد الأعظمي والشهيد الشيخ طه حمدون، ثم إلى معتقل الفضيلية وانتقل معه من الأمن العامة إلى الفضيلية الشهيد صلاح الوائلي والشهيد فرات كاظم جدي، والتقى هناك بالشهيد الشيخ ماجد البدراوي والشهيد جاسم الأيرواني، ولم يستطع أن يحصل المجرمون منه على شيء، فتم إحالته لمحكمة الثورة في بنايتها الجديدة آنذاك في أبي غريب، وكان حاكمها يومذاك مسلم الجبوري الذي وجد إن الملف المحال به سماحة الشيخ إليه محرجاً لأنه أحيل بتهمة تخريب الاقتصاد الوطني!! وبالرغم من إن الجبوري حكمه بالسجن لمدة سنة مع وقف التنفيذ إلا إن له واقعة طريفة من بعد ذلك تشير إلى طبيعة حكم قراقوش الذي كان يسير عليه البعثيون، وسأترك لسماحته أن يروي لنا ما جرى مع الإلماع إلى إن مسلم الجبوري هذا كان قد تم انتخابه قائمقاما لمدينة النجف وبعد شهر تقريباً من تعيينه كانت انتفاضة الأربعين فتم طرده من القائمقامية وجرى احتلالها من قبل المنتفضين الذين كان يقودهم المرحوم الشهيد صاحب ألبو كلل والشهيد عباس عجينة، يقول سماحته: حينما نطق مسلم الجبوري تهمتي أثار استغرابي بشدة فأين أنا من الاقتصاد؟ ولم أك بمستغرب إطلاقا حينما طالب نائب المدعي العام بإعدامي بسبب عدائي للحزب والثورة فهذه عادته!! فقلت لمسلم: ما شأني وتخريب الاقتصاد؟ فقال: انك تقول بحرمة أكل الدجاج المذبوح على الطريقة اللا إسلامية ولأن الدولة تستورد هذا الدجاج، ولذلك أنت تعمل من أجل تخريب الاقتصاد! فقلت له: إذن لماذا أنا احاسب إذ يجب ان تحاسبوا القرآن الكريم وتحاسبوا الفقهاء فهم من أفتوا بذلك؟ عندها تفتحت أسارير مسلما وقال: هذا صحيح ولكن انت لديك قول آخر، فقلت له: ماذا، فقال: نادوا على الشاهد الأول، وكان الشاهد هو خادم جامع براثا وكان معروفا عنه بأنه كان وكيلاً للأمن، فقال له سيدي هو لا يقول بحرمة الدجاج فقط وإنما حتى الجبن والزبد غير المذبوح على الطريقة الإسلامية أكله حرام أيضاً، فقال مسلم وهو يضحك: الأولى فهمناها وصحيح إن القرآن ذكر هذا الأمر ولكن هذه من ذكرها؟ ومن أين أتيت بها؟ هنا أسقط ما في يدي من شدة الإنبهات فهل يعقل أن أخطر محاكم العراق تدار من قبل أغبى الناس؟ وللإنصاف كاد نائب المدعي العام ينفجر ضاحكا ولكنه كتم ذلك بشدة بالرغم من إن حركة بطنه كانت واضحة للعيان أما يمين الحاكم ويساره كانوا مختنقين أما كاتب المحكمة فقد ألقى برأسه على دفتر المحكمة لكي يخفي ضحكه على غباء الحاكم، على أي حال أجبته وأنا أهز بيدي وضاحكاً باستخفاف: وهل الزبد والجبن يذبحون حتى نقول: ذبح إسلامي أو غيره؟؟؟؟ فأحرج حرجاً شديداً وطرد الشاهد وهو يشتمه.
وقد حكم الحاكم عليه بسنة مع وقف التنفيذ، وحينما أراد الخروج طالبه بأن يشكر المحكمة وينادي بيحيا العدل فرفض الشيخ ذلك وبصورة فيها الكثير من الإباء ودخل في نقاش مع الحاكم لمدة ثلث ساعة وفي كل مرة كان الجبوري يرعد ويزبد في شتائمه ووعيده للشيخ والشيخ يزداد رفضاً لطلب الشكر وهو الأمر الذي أدى بالحاكم ليأمر بأن يعاد الشيخ لمركز اعتقاله ويعاد التحقيق معه! ولهذا تأخر الإفراج عنه مدة 18 يوماً.! وكان ذلك في يوم 5رجب 1397وكان في انتظاره في بوابة مديرية أمن كربلاء أخوه الأكبر الدكتور الشيخ محمد حسين الصغير والمرحوم السيد مصطفى جمال الدين وابن عمه الشيخ محمد سلمان الخاقاني، وتوجه من فوره إلى النجف وكان الهدف كما يقول: الالتقاء بالشهيد الصدر.
كان خروجه من المعتقل في يوم 5 رجب وهو يوم كانت النجف مضطربة جدا من الناحية الأمنية ووفود البيعة للشهيد الصدر (رضوان الله عليه) قد بدأت تتقاطر على المدينة من كل المحافظات، ولهذا حينما طلب الشيخ مقابلة الشهيد الصدر (رضوان الله عليه) في نفس يوم وصوله نصح بأن يعود فوراً لبغداد لكي يمارس نفس التوجيهات التي منحت لبقية الوكلاء، ولهذا رجع إلى بغداد وبدأ بإعادة كل ما تم قطعه خلال السجن وتسريع العمل فيها خاصة وأن الحماس بسبب انعكاسات الثورة الإسلامية في إيران وانتصارها كان كبيرا جدا، ولكن كان مدركاً إن أيام الاصطدام مع البعثيين كانت وشيكة جداً وما كان أسرع تلك الأيام حينما أصدر الشهيد الصدر أوامره بالكفاح المسلح من أجل تحرير الشعب العراقي من ظلم البعث ولهذا لم يجد الشيخ في ذلك إلا مزيدا من المسؤولية والتكليف، ولهذا عاش ظرفاً خاصاً جداً كان الهدف إعطائه أكبر قدر ممكن من الوقت لكي يبقى بعيدا عن الاعتقال خصوصا وأنه كان مدركاً أنه لو عاد لن يجد إلا القتل، وحينما تم اعتقال رفاق المحنة الشهيد الشيخ عبد الجبار البصري والسيد نجاح الموسوي ومعاونه في العمل التنظيمي الشهيد خيون عبد الحسين وأخيه الشهيد باسم عبد الحسين (وهما من أهل مدينة الحرية) لم يك بإمكان الشيخ إلا إن يبادر لوصل ما تم قطعه، ولهذا اضطره للخروج لدائرة تمكنت من خلالها قوات الأمن ان تحظى باعتراف عليه في أواخر شهر رمضان وكانت خطبته يوم العيد مدوية جدا خصوصاً وأنها جاءت بعد أخبار عن إعدام الشهداء الشيخ عبد الجبار البصري والسيد نجاح الموسوي والشيخ خزعل السوداني وأمثالهم وبعد سلسلة من المداهمات لبيته ومدرسته في النجف وهي مدرسة الأزري تمكن من الهجرة إلى خارج العراق.
يمكن القول بأن خطبه قبل خروجه من العراق في صلاة الظهر يوم الجمعة وكانت من الخطب النوادر في بغداد امتداد لطريقة خطابه المعاصر، ولم يك أحداً من العلماء يلقون بالخطب غير المرحوم الشيخ موسى السوداني في الحرية والمرحوم الشهيد الشيخ ناظم البصري في الكرادة وأخوه الأكبر الشهيد الشيخ عبد الجبار البصري في حي السلام والشيخ خزعل السوداني في الكريعات، ولكن كان لخطاب الشيخ دوره الأكثر تميزاً رغم انه أصغرهم سناً في انه كان يقترب كثيرا من المحرمات السياسية والأمنية في حديث النقد للواقع الاجتماعي، ولهذا استحوذ على اهتمام كبير من النخبة المثقفة، ولكن الوقت لم يسعفه فخرج هارباً من مسجده في الشهر السابع، ثم مهاجراً بدينه من ومن أجل بلده في الشهر التاسع من عام 1979.